فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



جمع خالفة، وجوّز بعضهم أن يكون جمع خالف، وهو من لا خير فيه: {وَطُبِعَ على قُلُوبِهِمْ} هو كقوله: {خَتَمَ الله على قُلُوبِهِمْ} [البقرة: 7] وقد مرّ تفسيره {فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ} شيئًا مما فيه نفعهم وضرهم، بل هم كالأنعام.
وقد أخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما، عن ابن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أبيّ ابن سلول، أتى ابنه عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام عمر فأخذ ثوبه فقال: يا رسول الله، أتصلي عليه، وقد نهاك الله أن تصلي على المنافقين؟ فقال: «إن ربي خيرني وقال: {استغفر لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ} وسأزيد على السبعين» فقال: إنه منافق، فصلى عليه، فأنزل الله: {وَلاَ تُصَلّ على أَحَدٍ مّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا} الآية، فترك الصلاة عليهم.
وأخرج ابن ماجه، والبزار، وابن جرير، وابن مردويه، عن جابر، قال: مات رأس المنافقين بالمدينة فأوصى أن يصلي عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأن يكفنه في قميصه، فجاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أبي أوصى أن يكفن في قميصك، فصلى عليه وألبسه قميصه وقام على قبره، فأنزل الله: {وَلاَ تُصَلّ على أَحَدٍ مّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ على قَبْرِهِ}.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مرديه، عن ابن عباس، في قوله: {أُوْلُواْ الطول} قال: أهل الغنى.
وأخرج هؤلاء، عن ابن عباس، في قوله: {رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الخوالف} قال: مع النساء.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن السديّ، في الآية قال: رضوا بأن يقعدوا كما قعدت النساء.
وأخرج أبو الشيخ، عن قتادة، قال: الخوالف النساء. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} قال: مع النساء.
وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص أن علي بن أبي طالب خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاء ثنية الوداع يريد تبوك، وعلي يبكي ويقول: تخلفني مع الخوالف؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى إلا النبوة؟.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} قال: رضوا بأن يقعدوا كما قعدت النساء.
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} أي النساء {وطبع على قلوبهم} أي بأعمالهم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87)}
قوله تعالى: {مَعَ الخوالف}: الخَوَالِفُ: جمع خالفة من صفة النساء، وهذه صفةُ ذَمّ كقول زهير:
وما أَدْري وسوف إخالُ أَدْري ** أقومٌ آلُ حِصْنٍ أم نساءُ

فإنْ تكنِ النساءُ مُخَبَّآتٍ ** فَحُقَّ لكل مُحْصَنَةٍ هِداءُ

وقال آخر:
كُتِبَ القَتْلُ والقتالُ علينا ** وعلى الغانيات جَرُّ الذيولِ

وقال النحاس: يجوز أن تكونَ {الخوالِف} من صفة الرجال، بمعنى أنها جمع خالفة. يقال: رجل خالِفَة، أي: لا خير فيه، فعلى هذا تكونُ جمعًا للذكور باعتبار لفظهِ. وقال بعضهم: إنه جمع خالف، يقال: رجلٌ خالفٌ، أي: لا خير فيه، وهذا مردودٌ؛ فإن فواعل لا يكونُ جمعًا لفاعل وَصْفًا لعاقل إلا ما شذَّ من نحو: فوارس ونواكس وهوالك. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87)}
بَعُدُوا عن بِساط العِبادة فاستطابوا الدّعة، ورضوا بالتعريج في منازل الفرقة، ولو أنهم رجعوا إلى الله تعالى بِصِدقِ النَّدم لَقَابَلهُم بالفضل والكرم، ولكنْ القضاءَ غالِبٌ، والتكلفَ ساقطٌ. اهـ.

.تفسير الآية رقم (88):

قوله تعالى: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما افتتح القصة بمدح المتقين لمسابقتهم إلى الجهاد من دون استئذان ختمها بذلك وذكر ما أعد لهم فقال معلمًا بالغنى عنهم بمن هو الخير المحض تبكيتًا لهم وتقريعًا: {لكن الرسول} أي والذي بعثه لرد العباد عن الفساد إلى السداد {والذين آمنوا} أي إيمانًا عظيمًا كائنًا أو كائنين {معه} أي مصاحبين له ذاتًا وحالًا في جميع ما أرسلناه إليهم به {جاهدوا بأموالهم وأنفسهم} أي بذلوا كلًا من ذلك في حبه صلى الله عليه وسلم فتحققوا بشرط الإيمان ولكن واقعة موقعها بين متنافسين لأن ما مضى من حالهم كله ناطق بأنهم لم يجاهدوا.
ولما كان السياق لبخلهم بالنفس والمال، ولسلب النفع من أموالهم وأولادهم، اقتصر في مدح أوليائه على الجهاد بالنفس والمال ولم يذكر السبيل وقال: {أولئك} دالًا على أنه معطوف على ما تقديره: فأولئك الذين نورت قلوبهم فهم يفقهون، وقوله: {لهم} أي لا لغيرهم {الخيرات} تعرض بذوي الأموال من المنافقين لأن الخير يطلق على المال وتحليته بال على استغراقه لجميع منافع الدارين، والتعبير بأداة البعد إشارة إلى علو مقام أوليائه وبعد مناله إلا بفضل منه تعالى، وكذا التعريض بهم بقوله: {وأولئك هم} أي خاصة {المفلحون} أي الفائزون بجميع مرادهم، لا غيرهم. اهـ.

.قال الفخر:

{لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
واعلم أنه تعالى لما شرح حال المنافقين في الفرار عن الجهاد بين أن حال الرسول والذين آمنوا معه بالضد منه، حيث بذلوا المال والنفس في طلب رضوان الله والتقرب إليه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

وقوله: {لَكِنِ} فيه فائدة، وهي: أن التقدير أنه إن تخلف هؤلاء المنافقون عن الغزو، فقد توجه من هو خير منهم، وأخلص نية واعتقادًا، كقوله: {فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا} [الأنعام: 89] وقوله: {فَإِنِ استكبروا فالذين عِندَ رَبّكَ} [فصلت: 38] ولما وصفهم بالمسارعة إلى الجهاد ذكر ما حصل لهم من الفوائد والمنافع.
وهو أنواع: أولها: قوله: {وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الخيرات} واعلم أن لفظ الخيرات، يتناول منافع الدارين، لأجل أن اللفظ مطلق.
وقيل: {الخَيْرَاتُ} الحور، لقوله تعالى: {فِيهِنَّ خيرات حِسَانٌ} [الرحمن: 70] وثانيها: قوله: {وأولئك هُمُ المفلحون} فقوله: {لَهُمُ الخيرات} المراد منه الثواب.
وقوله: {هُمُ المفلحون} المراد منه التخلص من العقاب والعذاب. اهـ.

.قال السمرقندي:

{لكن الرسول} يعني: إن لم يجاهد المنافقون فالله تعالى غني عنهم ويجاهد الرسول.
{والذين ءامَنُواْ مَعَهُ جاهدوا بأموالهم وَأَنفُسِهِمْ}، يعني: إن لم تخرجوا أنتم.
{وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الخيرات}، يعني: الحسنات، ويقال: زوجات حسان في الجنة.
والخيرة: الزوجة، والخيرة: الثواب.
وقال القتبي والأخفش: الخيرات واحدها خيرة: وهن الفواصل.
وروى مسروق، عن عبد الله بن مسعود أنه قال: في قوله: {وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الخيرات} قال: لكل مسلم خيرةٌ ولكل خيرةٌ خيمة، ولكل خيمة أربعة أبواب، يدخل عليها في كل يوم من الله تعالى تحفة وكرامة وهدية، لم يكن قبل ذلك لا طمحات ولا مرحات ولا بخرات ولا دفرات {وَحُورٌ عِينٌ} [الواقعة: 22] الآية.
قال أهل اللغة: طمحات يعني: ناكسات رؤوسهن، مرحات خفيفات الروح، بخرات منتن ريح الفم، ودفرات منتن ريح الإبط.
ثم قال تعالى: {وأولئك هُمُ المفلحون}، يعني: الناجون في الآخرة. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ}
وهو جمع خيرة، وفيها أربعة أوجه:
أحدها: أنها غنائم الدنيا ومنافع الجهاد.
والثاني: فواضل العطايا.
والثالث: ثواب الآخرة.
والرابع: حُور الجنان، من قوله تعالى: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} [الرحمن: 70]. اهـ.

.قال ابن عطية:

{لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ}
الأكثر في {لكن} أن تجيء بعد نفي، وهو هاهنا في المعنى، وذلك أن الآية السالفة معناها أن المنافقين لم يجاهدوا فحسن بعدها {لكن الرسول والمؤمنون جاهدوا}، و{الخيرات} جمع خيرة وهو المستحسن من كل شيء، وكثر استعماله في النساء، فمن ذلك قوله عز وجل: {فيهن خيرات حسان} [الرحمن: 70] ومن ذلك قول الشاعر أنشده الطبري: [الكامل]
ربلات هند خيرة الملكات

و{المفلحون} الذين أدركوا بغيتهم من الجنة، والفلاح يأتي بمعنى إدراك البغية، من ذلك قول لبيد: [الرجز]
أفلح بما شئت فقد يبلغ بالض ** عف وقد يخدع الأريب

ويأتي بمعنى البقاء ومن ذلك قول الشاعر: [المنسرح]
لكل همٍّ من الهموم سعهْ ** والمسى والصبح لا فلاح معهْ

أي لا بقاء.
قال القاضي أبو محمد: وبلوغ البغية يعم لفظة الفلاح حيث وقعت فتأمله. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى في وصف المجاهدين: {وأولئك لَهُمُ الخيرات} قيل: النساء الحسان؛ عن الحسن.
دليله قوله عزّ وجلّ: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} [الرحمن: 70].
ويُقال: هي خَيْرة النّساء.
والأصل خيّرة فخفّف؛ مثل هَيّنة وهَيْنة.
وقيل: جمع خير.
فالمعنى لهم منافع الدارين.
وقد تقدّم معنى الفلاح.
والجنات: البساتين.
وقد تقدّم أيضًا. اهـ.

.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم} أي إن تخلف هؤلاء ولم يجاهدوا فقد جاهد من هو خير منهم يعني الرسول والمؤمنين {وأولئك لهم الخيرات} منافع الدارين النصر والغنيمة في الدنيا والجنة والكرامة في الآخرة وقيل الحور لقوله فيهن خيرات حسان وهي جمع خيرة تخفيف خيرة {وأولئك هم المفلحون} أي الفائزون بالمطالب.
قوله سبحانه وتعالى: {أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم} بيان لما لهم من الخيرات الأخروية. اهـ.

.قال أبو حيان:

{لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم}
لما ذكر أنّ أولئك المنافقين اختاروا الدعة وكرهوا الجهاد، وفروا من القتال، وذكر ما أثر ذلك فيهم من الطبع على قلوبهم، ذكر حال الرسول والمؤمنين في المثابرة على الجهاد، وذلك ما لهم من الثواب.
ولكن وضعها أنْ تقع بين متنافيين.
ولما تضمن قول المنافقين ذرنا، واستئذانهم في القعود، كان ذلك تصريحًا بانتفاء الجهاد.
فكأنه قيل: رضوا بكذا ولم يجاهدوا، ولكنّ الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا.
والمعنى: إنْ تخلف هؤلاء المنافقون فقد توجه إلى الجهاد من هو خير منهم وأخلص نية.
كقوله تعالى: {فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين} {فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار} والخيرات: جمع خيرة وهو المستحسن من كل شيء، فيتناول محاسن الدنيا والآخرة لعموم اللفظ، وكثرة استعماله في النساء ومنه فيهن خيرات حسان.
وقال الشاعر:
ولقد طعنت مجامع الربلات ** ربلات هند خيرة الملكات

وقيل: المراد بالخيرات هنا الحور العين.
وقيل: المراد بها الغنائم من الأموال والذراري.
وقيل: أعدّ الله لهم جنات، تفسير للخيرات إذ هو لفظ مبهم. اهـ.